من الاستغلال إلى المساءلة.. تزايد مخاطر حقوق الإنسان في قطاع المعادن بإفريقيا
من الاستغلال إلى المساءلة.. تزايد مخاطر حقوق الإنسان في قطاع المعادن بإفريقيا
كشفت بيانات تتبّع أنشطة الشركات المختصة بالمعادن الانتقالية عن صعود ملحوظ في الادعاءات المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان والبيئة المرتبطة باستخراج المعادن الحيوية للطاقة النظيفة في إفريقيا.
بين عامي 2010 و2024 سجّلت مبادرة تتبّع المعادن الانتقالية التابعة لمنظمة "Business & Human Rights Resource Centre (BHRRC)” أنه تم رصد 178 ادعاءً في إفريقيا، أي أكثر من خمس حالات من بين كل عشر حالات عالمياً، وفي 2024 وحده ارتفعت الادعاءات إلى 45 حالة مقارنة بـ26 في العام السابق، مع تمركز كبير في جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا، وفق شبكة media.business-humanrights.org"".
ماذا تكشف هذه الادعاءات؟
تتنوّع الاتهامات بين انتهاكات حقوق العمال، واقتحام أراضي مجتمعات دون موافقة، وتلويث المياه والتربة، وهجمات على المدافعين عن الحقوق البيئية وحقوق الإنسان، وتشير البيانات إلى أن المجتمعات المحلية هي الأكثر تضرراً، ثم العمال، وفي بعض الحالات تصاعدت المواجهات إلى دعاوى قضائية ضد شركات التعدين ومقاوليها، ما يعكس تصاعد الرفض المجتمعي لطريقة تطوير مشروعات المعادن.
الجذور الدافعة للأزمة مركبة تشمل أولاً، الطلب العالمي المتسارع على معادن مثل الكوبالت والنحاس والليثيوم والمانغانيز لتصنيع البطاريات وتكنولوجيا الطاقة المتجددة يزيد الضغوط على البلدان الغنية بهذه الموارد لاستقطاب استثمارات سريعة دون بناء أنظمة حوكمة متينة لحماية السكان، ثانياً، الثغرات في تطبيق مبادئ الاستشارة والموافقة الحرة والمسبقة والمستنيرة للمجتمعات المتأثرة تعني أن التوسع في المناجم غالباً ما يتم على حساب الأمن الغذائي والحقوق الأرضية للسكان، وثالثاً، أنماط الاقتصاد العميقة الجذور التي تربط إفريقيا بسلاسل توريد بالقيمة المنخفضة تحرم البلدان المنتجة من فوائد اقتصادية كبيرة بينما تبقى التكاليف البيئية والاجتماعية محلية، وهذه الدينامية تبعث تحذيرات بأن الفائدة العالمية من الانتقال الطاقي قد تأتي مع فاتورة محلية باهظة، وفق الأمم المتحدة.
التقارير الحديثة تؤكد أن الغالبية العظمى من صادرات "المعادن الانتقالية" تُقدَّم إلى صناعات خارج إفريقيا، بينما يظل تصنيع المكونات النهائية والأرباح الأكبر في الخارج، ما يعيد إنتاج إرث اقتصادي استعماري بوجوه معاصرة.
أشارت تقارير حقوقية إلى أنه في جمهورية الكونغو الديمقراطية، قد ربطت دراسات سابقة توسّع مناجم الكوبالت وتطوير المناجم الصناعية بحالات نزوح قسري ومخاطر صحة عامة ووجود عمل أطفال في سلاسل التوريد الصغيرة والمتوسطة، فيما رصدت منظمات حقوقية حالات إخلاء قسري واعتداءات على مدافعين محليين مع توسع شركات التعدين، وفق منظمة العفو الدولية.
تداعيات حقوقية واقتصادية
تتمثل التداعيات في أن فقدان الأرض ومصادر رزق الرعي والزراعة يضع العائلات في حلقة من الفقر والهشاشة، وآثار التلوّث تصيب الصحة العامة بالمشكلات التنفسية والجلدية ونقص المياه النظيفة، وتقوض الهجمات ضد مدافعي الحقوق إمكانيات المجتمعات للدفاع عن نفسها، وفي حالات عدة أدت الصراعات المحلية حول الموارد إلى عنف مسلّح أو شكاوى قضائية متكررة مما يزيد تكاليف المشروعات وتأخيرها، واقتصادياً، استمرار هذا الطريق قد يضعف فرص تطوير سلاسل قيمة محلية ويفقد الدول خاصة في إفريقيا فرصة تراكم رأس المال البشري والاقتصادي المطلوب من أجل تحقيق التنمية المستدامة.
منظمات حقوقية دولية دعت إلى وضع معايير أشد للتدقيق في سلاسل التوريد ومسؤولية الشركات عن الامتناع عن حماية الحقوق، بينما دعا تقرير فريق الخبراء الأممي إلى أن تكون حقوق الإنسان في صلب سياسات استخراج المعادن الانتقالية، مع وضع قواعد واضحة لحماية المجتمعات وبيئة العمل.
الخطوات المتكررة في تقارير المراقبة والمنظمات الحقوقية تتقاطع حول عناصر أساسية تشمل تطبيق صارم لعناية الشركات الواجبة وإشراك المجتمعات والاعتراف بحقها في الموافقة المسبقة، وإرساء نظم شفافة لتقييم الأثر البيئي والاجتماعي قبل ومن ثم أثناء التشغيل، وكذلك آليات تمويل لبرامج التعويض والتنمية المحلية، ودعم تقني للدول لإضافة قيمة محلية في سلاسل التوريد، كما أن تعزيز قدرة القضاء المحلي والمؤسسات الرقابية ضروري لتمكين المساءلة الحقيقية.